حكيمه Admin
المساهمات : 5298 تاريخ التسجيل : 03/11/2012
| موضوع: هـل زارك الـبـلاء وتأخـرت إجـابــة الــدعـــاء..؟ السبت أبريل 20, 2024 5:18 am | |
|
هـل زارك الـبـلاء وتأخـرت إجـابــة الــدعـــاء..؟
إن خير ما أبدأ به موضوعي هو أن أحمد الله على كل حال ثم أدعوه لي ولكَم بألا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا فمتى ما مَن الله علينا بهذه المزية العظيمة فلن نجزع إذا أصابتنا بليَة ولن نسخط إذا تأخرت لنا إجابة , والبلاء هو اختبار من الله لإيماننا وطوبى لمن نجح فيه وقد قال الحسن البصري: (استوى الناس في العافية، فإذا نزل البلاء تباينوا ), وربنا رحيم بنا لو علمنا تدبيره لنا لأدركنا بأن الخير كله فيه وقد قال شيبان الراعي لسفيان: (يا سفيان عد منع الله إياك عطاء ومنة لك ، فإنه لم يمنعك بخلاً إنما منعك لطفا) , وربما كان في المنع خيرة عمت عنها بصائرنا وحرمنا رؤيتها جزعنا وقد وقال ابن الجوزي رحمه الله : ( عبد الله , إذا رأيت سربال النعل يتقلص عنك فأحسن الظن بالمنعم ؛ فإنما رفعه عنك لألا تتعثر).
قبل أيام قرأت كتاب لابن الجوزي رحمه الله فانسكبت طمأنينة في نفسي من أثره , وطبب جروحي وعالج همومي بجمال كلامه , فأبت علي نفسي التي تحب لغيرها ماتحب لنفسها إلا أن تقتسم رغيف الطمأنينة معكم فافتحوا القلوب وأرعوا السمع لابن الجوزي :
- إذا أصابك بلاء فاحمد الله واحذر التسخط فابن الجوزي ينصحك قائلاً: (من نزلت به بلية، فأراد تمحيقها، فليتصورها أكثر مما هي تهن. وليتخايل ثوابها وليتوهم نزول أعظم منها، يرى الربح في الاقتصار عليها وليتلمح سرعة زوالها، فإنه لولا كرب الشدة، ما رجيب ساعات الراحة. وليعلم أن مدة مقامها عنده كمدة مقام الضيف فليتفقد حوائجه في كل لحظة، فيا سرعة انقضاء مقامه، ويا لذة مدائحه وبشره في المحافل، ووصف المضيف بالكرم. فكذلك المؤمن في الشدة ينبغي أن يراعي الساعات، ويتفقد فيها أحوال النفس. ويتلمح الجوارح، مخافة أن يبدو من اللسان كلمة، أو من القلب تسخط. فكأن قد لاح فجر الأجر، فانجاب ليل البلاء، ومدح الساري بقطع الدجي فما طلعت شمس الجزاء، إلا وقد وصل إلى منزل السلامة)
- إن خير ما ندفع فيه البلاء هو الدعاء لكن ماذا يجب علينا أن نفعله قبل أن ندعو الله , يحدثك عن هذا ابن الجوزي فيقول : (رأيت من نفسي عجبا: تسأل الله عز وجل حاجاتها، وتنسى جناياتها؟ فقلت: يا نفس السوء أو مثلك ينطق؟ فإن نطق فينبغي أن يكون السؤال فحسب. فقالت: فممن أطلب مراداتي؟. قلت: ما أمنعك من طلب المراد. إنما أقول حققي، وانطقى. كما نقول في العاصي بسفره إذا اضطر إلى الميتة لا يجوز له أن يأكل، فإن قيل لنا: أفيموت. قلنا: لا، بل يتوب ويأكل. فالله الله من جراءة على طلب الأغراض مع نسيان ما تقدم من الذنوب التي توجب تنكيس الرأس، ولئن تشاغلت بإصلاح ما مضى والندم عليه جاءتك مراداتك. كما روى: [ من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ]. وقد كان بشر الحافي يبسط يديه للسؤال ثم يسلبهما ويقول: مثلي لا يسأل [ ما أبقت الذنوب لي وجها ]. وهذا يختص ببشر لقوة معرفته، كان وقت السؤال كالمخاطب كفاحا فإستحى للزلل. فأما أهل الغفلة فسؤالهم على بعد، فاقهم ما ذكرته، وتشاغل بالتوبة من الزلل. ثم العجب من سؤالاتك فإنك لا تكاد تسأل مهما من الدنيا، بل فضول العيش. ولا تسأل صلاح القلب والذين مثل ما تسأل صلاح الدنيا. فاعقل أمرك فإنك من الانبساط والغفلة على شفا جرف. وليكن حزنك على زلاتك شاغلا لك عن مراداتك، فقد كان الحسن البصري شديد الخوف، فلما قيل له في ذلك قال: وما يؤمنني أن يكون اطلع على بعض ذنوبي فقال اذهب لا غفرت لك.)
- حين نتطهر من الذنوب ونرفع أيدينا للكريم الرحيم فلا بد أن نعرف سـر إجابة الدعاء والذي يخبرنا عنه ابن الجوزي قائلاًتأملت حالة عجيبة، وهي: أن المؤمن تنزل به النازلة فيدعو، ويبالغ، فلا يرى أثرا للاجابة. فإذا قارب اليأس نظر حينئذ إلى قلبه، فإن كان راضيا بالأقدار، غير قنوط من فضل الله عز وجل، فالغالب تعجيل الإجابة حينئذ، لأن هناك يصلح. الإيمان ويهزم الشيطان، وهناك تبين مقادير الرجال. وقد أشير إلى هذا في قوله تعالى: حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله. وكذلك جرى ليعقوب عليه السلام فإنه لما فقد ولدا، وطال الأمر عليه، لم ييأس من الفرج، فأخذ ولده الآخر، ولم ينقطع أمله من فضل ربه أن يأتيني بهم جميعا. وكذلك قال زكريا عليه السلام ولم أكن بدعائك رب شقيا. فإياك أن تستطيل مدة الإجابة، وكن ناظرا إلى أنه المالك، وإلى أنه الحكيم في التدبير، والعالم بالمصالح، وإلى أنه يريد اختبارك ليبلو أسرارك، وإلى أنه يريد أن يرى تضرعك، وإلى أنه يريد أن يأجرك بصبرك، إلى غير ذلك. وإلى أنه يبتليك بالتأخير لتجارب وسوسة إبليس. وكل واحدة من هذه الأشياء تقوي الظن في فضله، وتوجب الشكر له، إذ أهلك بالبلاء للالتفاف إلى سؤاله، وفقر المضطر إلى اللجأ إليه غنى كله.)
- قدر الله وتأخرت الإجابة فزاركِ ابليس وبدأ يوسوس بك ويفتق جروحك ويشكك بك , علم ابن الجوزي عن شعورك فنصحك قائلاً : (رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة، ولا يرى أثرا للإجابة، فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر. وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب، ولقد عرض لي من هذا الجنس. فإنه نزلت بي نازلة، فدعوت، فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده. فتارة يقول: الكلام واسع والبخل معدوم، فما فائدة تأخير الجواب؟ فقلت له: إخسأ يا لعين، فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلا. ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك ومساكنة وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو لكفي في الحكمة. قالت: فسلني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة. فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه الاعتراض عليه. والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيت الشيء مصلحة والحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب، من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك. والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي. الرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه. فابحثي عن بعض هذه الأسباب لعلك تقفي بالمقصود كما روى عن أبي يزيد رضي الله عنه: أنه نزل بعض الأعاجم في داره فجاء، فرأه فوقف بباب الدار، وأمر بعض أصحابه فدخل، فقلع طينا جديدا قد طينه، فقام الأعجمي وخرج. فسئل أبو يزيد عن ذلك فقال: [ هذا الطين من وجه شبهة، فلما زالت الشبهة زال صاحبها ]. وعن إبراهيم الخواص رحمه الله عليه أنه خرج لإنكار منكر، فنبحه كلب له فمنعه أن يمضي، فعاد ودخل المسجد، وصلى ثم خرج، فسئل فبصبص الكلب له فمضى، وأنكر فزال المنكر. فسئل عن تلك الحال فقال: [ كان عندي منكر، فمنعني الكلب، فلما عدت تبت من ذلك، فكان ما رأيتم ]. والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب، فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح. وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: [ إنك إن غزوت أسرت، وإن أسرت تنصرت ]. والسادس: أنه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجأ وحصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول. وهذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ. فالحق عز وجل من الخلق اشتغالهم بالبر عنه فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه، يستغيسون به، فهذا من النعم في طي البلاء. وإنما البلاء المحض، ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه، ففيه جمالك. وقد حكي عن يحي البكاء أنه رأى ربه عز وجل في المنام، فقال: [ يارب كم أدعوك ولا تجيبني ]؟ فقال: [ يا يحي إني أحب أن أسمع صوتك ]. وإذا تدبرت هذه الأشياء، تشاغلت بما هو أنفع لك، من حصول ما فاتك من رفع خلل، أو اعتزار من زلل، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب.)
| |
|